◄يشكل النمو الانفعالي عند المراهق جانباً أساسياً من جوانب النمو التي تطرأ على الشخصية، وهذا النمو له علاقة وثيقة بطبيعة التغيرات الفسيولوجية الداخلية التي تتم في هذه المرحلة من العمر وما يصاحبها من تغيرات في المشاعر والأحاسيس، كما أن له علاقة بالبيئة الخارجية الاجتماعية وخاصة التي تحيط بالمراهق وتكوّن مثيرات أساسية لانفعالاته.
ولهذا يهتم المراهقون بهذا الجانب من النمو ويعيرونه أهمية خاصة في حياتهم، فشعور المراهق نحو نفسه وشعوره نحو الآخرين يشكلان أبرز ملامح حياته الانفعالية، فحياة المراهق مليئة بالانفعالات التي توصف بأنها عنيفة وحادة، فكثيراً ما تنتابه ثورات من القلق والضيق والحزن، كما نجده أحياناً ثائراً ناقداً لكل ما يحيط به دون أن يستطيع التحكم في نفسه وانفعالاته.
كما نلاحظ أيضاً عند المراهق السعي نحو الاستقلال الانفعالي عن الوالدين وغيرهم من الكبار، وذلك من أجل تكوين شخصية مستقلة قادرة على العيش ضمن حياة انفعالية لا يسيطر عليها الآخرون ولا يتحكمون بها، وهذا ما يوقعه في كثير من الأحيان في الإحباط الشديد نتيجة عدم تمكنه بعد من هذا الاستقلال التام عن الآخرين، ولهذا يكون رد فعله قوياً، وانفعالاته شديدة وغير متناسبة مع شدة الإحباط الذي تعرض له. بالإضافة إلى ذلك يلاحظ عند المراهق الخجل والميل إلى الانطواء والعزلة والتمركز حول الذات نتيجة للتغيرات الجسمية والجنسية السريعة التي تحصل عنده وتثير لديه الشك والحيرة.
كما يتصف سلوك المراهق في مرحلة المراهقة بعدم الثبات وتكون حالته الانفعالية غير مستقرة، فهو يتنقل بسرعة من حالة الفرح والبهجة إلى حالة اليأس والقنوط، ومن حالة الثقة بالنفس إلى ضعف الثقة بالنفس ومن التدين الشديد إلى الشك والإلحاد.
كما يتصف المراهق أيضاً بالانفعال الشديد والعنيف ويميل إلى التطرف وكثرة الاندفاع؛ ويثور لأتفه الأسباب شأنه شأن الأطفال الصغار؛ إذا إنّه لا يستطيع التحكم في انفعالاته مما يجعله يصرخ ويمزق ويسب ويشتم أحياناً، في حين أنّه قد يوجه مثل هذه الانفعالات إلى الداخل ويكبتها أحياناً أخرى مما يؤذي نفسه.
والمراهق في هذه المرحلة يبالغ في الاهتمام بمظهره الجسمي، ويظل ذلك محور تفكيره؛ فهو يميل إلى المبالغة في التأنق واختيار الألوان الزاهية والمظاهر التي تثير الانتباه، وقد يسلك بعض السلوكيات التي تثير الضحك أو يقوم ببعض الأعمال البطولية التي تثير الاهتمام والإعجاب. والإناث في هذه المرحلة أكثر اهتماماً بمظهرهنّ من الذكور، كما يلاحظ عند المراهق الخجل والميول الانطوائية نتيجة المشاعر المتعلقة بالجنس والممارسات المتصلة به.
كما يكثر عند المراهق أيضاً التردد نتيجة عدم الثقة بالنفس وخاصة في بداية المراهقة لقلة الخبرة، وتكثر عنده أحلام اليقظة، حيث ينتقل خلال هذه الأحلام إلى عالم الخيال أو يمزج بين الواقع والخيال. فالأحلام تُشعر المراهق بأهميته وتحقق له الأمن وتُشبّع الرغبات والحاجات التي لم يستطيع إشباعها في الواقع بسبب ضغوط الحياة الاجتماعية.
كما يجد المراهق في أحلام اليقظة أيضاً درعاً لحماية نفسه من التهديدات التي تساوره في العالم من حوله، وهذه الأحلام إذا لم تكن في شكل مبالغ فيه فإنّها تؤدي دوراً تنفيسياً، أما إذا ازدادت عن الحد اللازم، فإنّ المراهق يتعود الهرب من مواجهة مطالب الحياة الواقعية، وإذا استمرت فإن ذلك ينبئ بوجود الاضطراب النفسي عنده.
كما تتسم انفعالات المراهق أيضاً بتكوين بعض العواطف الشخصية نحو الذات؛ إذ يفاخر بنفسه ويعتد برأيه ويشعر بأنّه لم يعد طفلاً؛ وأن له الحق في إبداء آرائه نحو الموضوعات المختلفة، كما يرغب في الاستقلال وتحمل المسؤولية؛ لأنّ ذلك ضروري لإعداده وتعميق فهمه للأدوار التي سوف تسند إليه في المستقبل.
بالإضافة إلى ذلك يعاني المراهق من حالات القلق والخوف من فقدان الأمان وذلك بسبب حاجاته المتعارضة وصراعاته المحتدمة، فهو يحب الآخرين ويريد أن يكون مقبولاً منهم، ولكنه يخاف الاقتراب منهم لأنّه يشعر بالنقص وقلة الخبرة، كما أنّه يحب المثل العليا ويتألم لفراغ الحياة من القيم والمبادئ الثابتة.
ولكن الحياة الانفعالية عند المراهق ليست دائماً مليئة بالجوانب السلبية، فالانفعالات عند المراهق ذات أهمية خاصة لأنّها تدفعه نحو مزيد من مصادر استمتاعه بالحياة. ولهذا نجد المراهق يبحث دائماً عن خبرات انفعالية جديدة وذلك من خلال قراءته للقصص والمسرحيات ومشاهدته للأفلام السينمائية السارة حيناً والمحزنة حيناً آخر.
كما تظهر عند المراهق العواطف نحو الأشياء الجميلة، فهو يحب الطبيعة ويعشقها ويكوِّن بعض العواطف التي تدور حول موضوعات معنوية كالتضحية والحرية والسلام والمحبة والدفاع عن المظلوم.. إلخ.
ويُعد الحبّ من أهم ما تتسم به الحياة الانفعالية في مرحلة المراهقة، فالمراهق يحب الآخرين ويحتاج إلى محبة الآخرين، فإشباع الحاجة إلى الحبّ والمحبة أساس لتحقيق الصحة النفسية عند المراهق. ويرى زهران (1995) أنّ الحبّ المتبادل يزيد الألفة ويزيل الكلفة، ويقضي على العدوان، ويجعل الاتجاهات النفسية أكثر إيجابية، كما أنّ الحب يعدُّ قوة علاجية كبيرة لكثير من المشكلات، حيث يتيح المجال للنمو النفسي والسير في الطريق الصحيح، كما أنّه يدعو الفرد إلى التفاؤل ويشعره بقيمته وبقبوله وتقبله.
العوامل المؤثرة في انفعالات المراهقين:
تختلف انفعالات المراهقين عن انفعالات الأطفال سواء من حيث مثيراتها أم من حيث الاستجابة لها، وتتأثر بعديدٍ من العوامل منها:
1- التغيُّرات الجسمية الداخلية والخارجية:
للتغيرات الجسمية الداخلية (الفسيولوجية) أثر واضح في الحياة النفسية والانفعالية للمراهق؛ وخاصة تلك التغيرات في نشاط الغدد الصماء المتمثل في ضمور الغدة التيموسية والغدة الصنوبرية بعد نشاطهما في مرحلة الطفولة، وكذلك نشاط الغدة النخامية وما يرافق ذلك من نشاط للغدد الجنسية بعد السكون خلال فترة الطفولة. وهذا ما أوضحته دراسة دافيد سن وجوتليب (Davidson & Gottlieb, 1955) التي أجرياها على فئتين من الفتيات تتساويان من حيث العمر الزمني وتختلفان من جانب المراهق، فالفئة الأولى من الفتيات كُنّ من البالغات، أمّا الفئة الثانية فكُنَّ من غير البالغات، وأثبتت نتائج هذه الدراسة أنّ المجموعة الأولى أكثر استثارة من الناحية الانفعالية، مما يشير إلى أهمية العوامل الفسيولوجية في هذا التأثير.
كما تتأثر انفعالات المراهق بالتغيرات الجسمية الخارجية، فزيادة الطول وخشونة الصوت ونمو الشوارب عند المراهق، وبروز الصدر ونمو الأثداء عن المراهقات، يعكس شعوراً عندهم بأن أجسامهم لا تختلف عن أجسام البالغين مما يشعرهم بالزهو حيناً والخجل والحياء حيناً آخر.
2- العمليات والقدرات العقلية:
تزداد سرعة نمو العمليات العقلية كالتفكير والتذكر والتخيل والإدراك في المراهقة، وهذه التغيرات في النمو العقلي تؤدي إلى تغير إدراك المراهق للعالم المحيط به، حيث إنّه لم يعد يخضع تماماً للبيئة وتعاليمها وقيمها الخلقية والاجتماعية، بل أصبح يمعن النظر في الأمور ويناقشها بشكل عقلي ومنطقي، وهذه التغيرات تؤثر في انفعالات المراهق وفي استجابته تجاه الأشخاص المحيطين به، فهو تارة يخفي مشاعره وتارة يبديها على حقيقتها وتارة يتجاهل ما يدور حوله من أحداث.. إلخ.
3- العلاقات بين الجنسين:
يتباعد الجنسان في الطفولة المتأخرة، ولكنهما يتقاربان في مرحلة المراهقة، ويكون هذا التقارب عملية صعبة في بداية المراهقة، لأنّه تحوّل مضاد مما يشعر المراهق بالخجل والحرج في علاقته بالجنس الآخر، وذلك يؤثر في تفكيره وإدراكه، فنجد أنّ المراهق يقف أحياناً مشدوهاً أمام المواقف الجديدة التي يوجد فيها الجنس الآخر، ولكن ذلك لا يستمر كثيراً، فالمراهق يستطيع في المراحل المتقدمة من المراهقة أن يجعل سلوكه متوافقاً مع متطلبات الموقف.
بالإضافة إلى ذلك فإنّ شعور المراهق بقدراته الجنسية وبفشله في إشباع المطالب الجنسية بسبب الضغوط الاجتماعية، يؤدي به إلى الحرج والانفعال، فالدافع الجنسي عميق الجذور في الطبيعة الإنسانية لأهميته في تخليد النوع واستمراره، وما لم نفهم هذا الدافع ونوجهه فإننا لا نستطيع التأثير فيه وضبطه وتوجيهه نحو خير الفرد والمجتمع.
4- العلاقات الاجتماعية:
يتأثر النمو الانفعالي للمراهق إلى حد كبير بعلاقاته الأسرية وبالجو الاجتماعي السائد في الأسرة، فالخلافات المتكررة بين الوالدين وما ينجم عنها من توتر للعلاقات داخل الأسرة يؤخر انفعالات المراهق ويجعله يعيش في حالة من عدم الاتزان الانفعالي ويؤخر النمو ويحرفه عن الاتجاه الصحيح.
فالإسراف من قِبَل الأب والأم في السيطرة على المراهق ومعاملته كما لو كان طفلاً، وإشعاره بأنّه ما زال تحت الوصاية فيما يتعلق بعلاقاته وميوله وهواياته، وحرمانه من المصروف اليومي، والتقليل من شأنه، يؤدي بالمراهق إلى الثورة والتمرد والعصيان، وقد يلجأ إلى الهروب من المنزل بحثاً عن الحرية، أو قد يكبت ما يعانيه من هذه التصرفات الأسرية فينعكس ذلك عليه صراعاتٍ نفسية مختلفة. فالعلاقات الأسرية الصحيحة تهيئ للمراهق جوّاً نفسياً آمناً وصالحاً لنموه، وتساعده على اكتمال نضجه الانفعالي، بعكس العلاقات الأسرية الخاطئة التي تؤدي إلى إعاقة النمو الصحيح عند المراهق.
رعاية النمو الانفعالي في المراهقة:
تعد الانفعالات ضرورة من ضروريات الحياة، فهي تؤثر بشكل حسن على مستوى نشاط الفرد، وذلك من أجل القيام بعمل يزيد من مستوى طاقته العادية، إذ إنّ الشخص المنفعل لا يحس بالتعب اليومي حتى وإن زاد عن الحد الطبيعي. ولكن بالرغم ما للانفعالات من آثار إيجابية، فإن لها آثاراً سلبية على صحة الفرد الجسمية، تظهر على شكل تعب وأرق وصداع وفقدان شهية للطعام وإسهال. كما تؤثر الانفعالات على النشاط العقلي للمراهق، فتضعف من قدرته على التفكير والإدراك والتذكر والانتباه. بالإضافة إلى ذلك تؤثر الانفعالات في اتجاهات المراهق النفسية، فالغضب الحاد مثلاً يؤثر على مدى تماسك وتناسق الاتجاهات المختلفة أو تعديلها وعلى نشأة التعصب وإقامة الحدود بين الناس. كما أنّ شدة الانفعال عند المراهق تضعف لديه القدرة على ضبط النفس، مما يجعله يثور لأتفه الأسباب. ولهذا يتوجب علينا مساعدة المراهق على كيفية التعود على ضبط النفس والتخفيف من انفعالاته في كل موقف يستدعي ذلك.►
المصدر: كتاب المشكلات النفسية والسلوكية والدراسية عند المراهقين والشباب/ أسبابها وأساليب مواجهتها
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق
تعليقات
اسماء بن بهو
النص جيد و يجيب على جميع تساؤلاتي ليتكم تعمقون في هدا الامر لكثر و ششششششكككككككرررررررراااااااااااااااا